- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠1العقيدة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
ما هو السبب في ضلال الإنسان في الأرض ؟
أيها الأخوة، وقد وصلنا إلى موضوع دقيق جداً، وهو أسباب الضلالات الاعتقادية، فقد انتشر في الأرض ضلال كبير، فإذا عرفنا أسبابه أمكننا تجنبه، فمعرفة السبب مهم جداً لتجنب النتيجة، فإذا كان في الأرض ضلال, فمِن أين أتى؟ وما أسبابه؟ وما علته؟ كيف كُرس هذا الضلال؟ كيف انتشر؟ هذا ما يدور حوله موضوع اليوم.
الحقيقة، هناك ثلاثة أسباب كبرى للضلال:
السبب الأول: الانحراف الفكري.
السبب الثاني: الانحراف النفسي.
السبب الثالث: الضعف النفسي.
فهذه الأسباب الثلاثة الكبرى تؤدي إلى الضلال، الذي هو أخطر شيء في حياة الإنسان, أن يكون الإنسان فقيراً ومهتدياً فهو من الناجحين، أن يكون مريضاً ومهتدياً فهو من الفائزين، أما أن يكون ضالاً, فهذا الضلال مؤدّاه إلى النار، فالضلال هو الهلاك.
ينبغي على المسلم أن يكون سلاحه الكتاب والسنة حتى يرجع إلى الصواب:
فمن باب التذكير أننا في مطلع دروس العقيدة، حيث توضح لكم أن العقيدة الصحيحة لها مسالك، ولها مداخل، ولها طرق، ومِن هذه المسالك:
1- مسلك اليقين الحسي، فأنا أعتقد أن الشمس ساطعة، لأنني أراها بعيني, فاليقين الحسي شيء بدهي واقعي لا سبيل إلى الزيغ عنه.
2- مسلك اليقين الاستنتاجي, اليقين العقلي.
3- مسلك اليقين الإخباري.
4- مسلك الإشراق الروحي، بشرط أن يوافق الأصول الشرعية للدين.
الإنسان أحياناً تأتيه فكرة، يفكر في الموضوع، ويتوهم النتيجة، وقد يعتقد بهذه الفكرة أنها صحيحة، من دون أن يضعها على المحك، من دون أن يمتحنها، هل كان استنتاجه صحيحاً؟ هل أوصلته المقدمات التي وصل إليها إلى النتائج صحيحة؟ هذه الفكرة قد تروج في مجتمع ما، فكرة لم تُمحص، فكرة لم تخضع لمقاييس الشرع، فكرة لم تخضع لأصول الفهم، فكرة لم تخضع لمقاييس العقيدة الصحيحة، هذه الفكرة تروج وتنتشر، وفي النهاية تصبح بعد عشرات السنين عقيدة ضالة، يعتنقها أناس كثيرون.
أخطر شيء في حياة المسلم أن تكون بعض معتقداته ضلالاً، أن يتوهم أن هذا الشيء حق، وهو في حقيقته باطل، أن يعتقد أنه صحيح، وهو غير صحيح, لذلك فالعقيدة أخطر شيء في حياة الإنسان، فإن صحت صح عمله، وإن فسدت فسد عمله, والعقيدة لا تؤخذ إلا من كتاب الله، القطعي الثبوت، القطعي الدلالة، ولا تؤخذ إلا مما تواتر من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، العقيدة فقط، والأحكام الشرعية تؤخذ من الأحاديث الآحاد، فأية فكرة ليس لها أصل في كتاب الله، أو ليس لها أصل في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام المتواترة، فهي فكرة ضالة بعيدة عن الواقع.
من أسباب ضلال الانحراف الفكري:
1- أخذ الأشياء على ظواهرها من دون تمحيص علمي:
ما منا واحد إلا ويتكلم، راقب نفسك، هذه الفكرة التي تقولها للناس ما مصدرها؟ ما الدليل عليها؟ هل هي صحيحة؟ أمعك عليها دليل من كتاب الله ومن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ من قال هذا؟ أما أن نأخذ الأشياء على عواهنها، إنسان تكلم، مثقف قال، كتاب قرئ، مقالة قرأت، واعتقدنا شيئاً مثلاً هذا الدواء يزيد في العمر كما يتخرصون، هناك آية قرآنية تنفي مثل هذه الأوهام:
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾
هذه المقالة التي قرأتها في هذه المجلة كلام باطل، وعقيدة ضالة، وفكرة واهمة، لأنها تناقض آية صريحة في كتاب الله.
قد يقول لك قائل: إن الله عزّ وجل يدخل الناس الجنة بلا عمل، فاسمع قوله تعالى:
﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
فأية فكرة إياك أن تقبلها، ما لم تكن صحيحة وفق كتاب الله، والإنسان عليه أن يسأل أهل الذكر إن كان لا يعلم، هكذا قال الله عزّ وجل:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
أنت عود نفسك، ولتعلم يقيناً أنه في العقيدة لا يجوز التقليد، لك أن تقلد الصالحين في أعمالهم، لك أن تقلد في الأعمال، الصالح يُقلد، العالم يُقلد، من قلد عالماً جاء يوم القيامة غانماً؟ لكن في العقيدة لا يقبل التقليد، لأنك إذا قلدت في العقيدة لا تملك البرهان، قد يأتي إنسان فيقنعك بعكسها، فالعقيدة يجب أن تؤخذ بالدليل القطعي الساطع, فالأشياء التي يجب أن تعتقد بها بالضرورة هي أخطر ما في الجانب العقدي في الإنسان.
لذلك أحياناً الأفكار المنحرفة تروج بين البسطاء، وبين أنصاف المثقفين، وبين العامة، لأن هذا العامي لا يطالبك بالدليل، وليس في إمكانه أن يناقشك، ليس في مقدوره أن يسألك, من أين جئت بهذه الفكرة؟ هو يسكت, قد يأخذ الفكرة من قائلها، إذا كان القائل عظيماً، أو متكلماً، أو إذا كان وجيهاً، يأخذها على عواهنها، وهذا خطر كبير.
2- اعتبار العقل هو الميزان لا الشرع:
قلت لكم: الدين بالنقل, وبالعقل الموافق للنقل، نحن بالنقل نعتقد، وبالنقل نفهم ما نعتقد، أما العقل هو قوة إدراكية لفهم ما جاءنا بالنقل عن الله عزّ وجل، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم, فلذلك, حينما يعتمد على العقل وحده، فإن العقل قد يضعف، وقد يضل العقل، وقد يتيه العقل، وقد يغلو العقل، وقد ينحرف العقل, فالله عزّ وجل وضع الشرع ميزاناً للعقل، ووضع العقل ميزاناً للكون قال تعالى:
﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾
فالعقل ميزان، والشرع ميزان على الميزان، فالفكرة ينبغي أن تؤيدها الأدلة النقلية التي تتطابق مع المنطق والواقع.
3- التقليد الأعمى للآباء:
من أسباب الضلال الفكري, التقليد أعمى, هذا مرض خطير، قال تعالى:
﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴾
هذا يسميه علماء الاجتماع قوة الاستمرار، مجتمع نشأ على تقديس البقر مثلاً، كما هو الحال في الهند، حيث البقرة شيء مقدس, ومئات الألوف يموتون جوعاً، وأكبر قطيع من الأبقار في العالم في الهند، البقر لا يُذبح إلى أن يموت، وبعدها يُدفن، ويُقدس، فكيف انتشرت هذه الضلالات؟ بحكم التقليد، ورثت هذه المقدسات جيل عن جيل وتابعها.
فالإنسان ينبغي أن يكون حر التفكير، أن يبني بنيانه الفكري على بينة، على أدلة، على واقع، فالتقليد الأعمى سبب خطير جداً من أسباب الضلالات، والكلام الشائع الآن بين الناس, هكذا تربينا، هكذا كان آباؤنا، هكذا فعلنا، من قال لك: إنّ الأمرَ كذلك؟.
كنـت مرة في قرية، فيأتي البدوي إليها، وهو محتاج إلى ثمن علف لمواشيه، فيضطر إلى أن يبيع الصوف، الذي سوف ينبت على ظهور أغنامه في الموسم القادم بثمن بخس، يقول لك: بيع السلم, بيع السلم حق، لكن أن ينقلب بيع السلم إلى ربا فاحش، سعر رطل الصوف مثلاً 30، وتشتريه بـ 15ليرة, تدفع له مقدماً ثمن الرطل 15، لتأخذه في موسمه بهذا الثمن البخس, هذا أحد أنواع الربا، المظهر مظهر بيع سلم، أما الحقيقة فهو ربا, يقول لك: هكذا نشأنا، هكذا تربينا، وهكذا نفعل جميعاً.
كل اعتقاد، أو كل سلوك، أو كل علاقة مالية، أو اجتماعية مبنية على سبب واه فهي ضلالة، أحياناً ينشأ في حياتنا الاجتماعية عادات مثل عادة الاختلاط، فإذا اعترضت على هذه العادة، قالوا: هكذا تربينا, هكذا نشأنا، فكل سلوك منحرف مرفوض، ولو أن الناس مشوا عليه أجيالاً تلو أجيال, قال تعالى:
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ﴾
التقليد الأعمى أحد أسباب الضلال، فلا ينبغي أن تتابع الناس على ضلالهم، ولا أن ترث منهم ضلالة، ولا أن تنشأ كما نشؤوا، ولا أن تنحرف كما انحرفوا، ولا أن تزيغ كما زاغوا، الله سبحانه وتعالى يحاسبك وحدك يوم القيامة، حينما تأتيه فرداً، حيث لا مُعين لك ولا نصير, قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾
4- الغلو في تقديس الأشخاص:
من أسباب الضلال الفكري, المبالغة في تقديس بعض الناس، فالإنسان له حجم، وأغلب الظن أن المعتقدات الباطلة قد تتأتى من إنسان عظمه الناس فوق ما ينبغي، هؤلاء الصالحون عندما يموتون يعظّمهم الناس، إلى درجة أنهم يُصبغون عليهم صفات فوق صفات البشر، يعزون كل خرافة، وكل شطحة، وكل انحراف إليهم، النبي صلى الله عليه وسلم، سيد الخلق، وإمام المرسلين، وسيد الأنبياء، وأعظم إنسان على وجه الأرض، ومع ذلك فله حجم، ومن ملامح حجمه صلى الله عليه وسلم, قوله تعالى:
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
فأي شخص يدعي الولاية، ويقول لك: أنا أملك لك نفعاً أو ضراً، فهذا ضلال، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام، وهو سيد الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولياء والصالحين، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً, أفيكون قادراً على أن يملك لك النفع والضر من باب أولى؟ لا، إذا كنت أنا لا أستطيع أن أفعل هذا لنفسي، أفبإمكاني أن أفعله لكم؟ قال تعالى:
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً ﴾
حينما تعزو بعض الأعمال الخارقة لإنسان فهذا اعتقاد باطل, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ:
" قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْد ِالْمُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا "
حجم آخر, قال تعالى:
﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾
سيد المرسلين، سيد ولد آدم, ولا فخر، صاحب الخلق العظيم لا يعلم الغيب، فأي إنسان ادعى علم الغيب فهو كاذب، وهو منحرف، وهو ضال.
قال تعالى:
﴿أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾
يزعمون هذا الولي لا تضره معصية، هذا ليس صحيحاً, هذا الكلام يتناقض مع كلام الواحد الديان، قل يا محمد لهم, قال تعالى:
﴿أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
لذلك, المبالغة في تقديس بعض العلماء من الناس، وأن تنسب كل انحراف أو فكرة ضالة، أو شطحة إليهم، فهذا كله من الضلال، هل يمكن أن يكون الولي فوق النبي ؟ هل يمكن أن نقبل أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء ؟ أعظم الأولياء دون آخر الأنبياء, هذا مقياس، فالإنسان لما يسمع قصصاً، وحكايات من هذا القبيل يجب عليه أن يُنقح، أن يمحص، أن يدقق، أن يحقق، أن يطلب الدليل، أن يقرأ كتاب الله، أنت إذا قرأت القرآن الكريم، واستمعت إلى تفسيره، وتابعت دروس التفسير، فمع مرور الأيام، والأسابيع، والأشهر، والسنوات تصير مؤهلاً لمعرفة حقيقة العقيدة، لأن كل شيء يجب أن نعتقد به، ورد ذكره في القرآن الكريم، وأظهره الله عز وجل جلياً واضحاً.
فقراءة هذا الكتاب العظيم، الذي هو كتاب عقيدة، وكتاب أحكام، وكتاب سيّر، وكتاب مواعظ، وكتاب قصص حكيمة ذات عبرة بليغة، وكتاب آيات كونية، واضح لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لذلك, تجد كتاباً شهيراً جداً مثل تفسير آيات الأحكام, تفسير الآيات الكونية في القرآن, القصص في القرآن, مشاهد القيامة في القرآن, فهذا القرآن العظيم يمكن أن تُستنبط منه كتب كثيرة، كتب العقيدة تأخذ من القرآن، كتب قصص الأنبياء تأخذ من القرآن، وهكذا.
5- الاعتماد على الفلسفة وحدها:
من أسباب الضلال أيضـاً, أن تعتمد على الفلسفة فقط, فالذين اعتمدوا على عقولهم وحدها وقعوا في التشبيه, يعني شبهوا الإله العظيم ببعض مخلوقاته, وهذا زيغ كبير في العقيدة، وبعضهم وقع في التعطيل، فعطل الصفات، أو عطل المجازات القرآنية التي وردت في حق الله عزّ وجل، هناك من عطلها، وهناك من جسدها، وكلاهما اعتماداً على عقله وحده فوقع في ضلال.
ولو أن جميع الذين ضّلوا في عقائدهم بسبب تحكيم عقولهم في أمور الغيب، رجعوا إلى عقولهم ببصر نافذ، وإذعان للحق، واعتراف بالعجز, لقالوا: إن عقولنا محدودة بحدود المحسوسات، فلا يمكن أن نعرف بها وحدها، وبشكل مستقل صورة من صور الغيب، لنعترف أن عقل الإنسان مثل الميزان, له حدود قصوى, فلو وضعت فوقه طرداً وزنه خمسمئة كيلو لا نكسر الميزان، فهل تتهم أن هذا الميزان سيء؟ لا، إن هذا الميزان حينما صنع وضعت حدود طاقته لوزن أثقال لا يتجاوز خمسين كيلو، أما أكثر من ذلك فإن الميزان يتحطم وينكسر, كذلك هذا العقل، حينما وهبنــا الله إياه وضع بطريقة أنه يستخدم استخداماً رائعاً في الاستدلال الحسي، تستطيع بوساطته أن تأخذ من الواقع الحسي دليلا على شيء مغيب عنك, أبسط شيء أنك إذا رأيت المصباح الكهربائي متألقاً فهذا العقل يحكم بشكل قطعي على أن في الأسلاك كهرباء، ولو أنك لا تراها, هذه حدود دائرة العقل، أما عالم الأزل وعالم الأبد، وعالم ما قبل الحياة، وما بعد الموت فلا نستطيع في هذه المجالات أن نعتمد شيئاً محسوساً، ونتخذه أساساً للاستنتاج، فلذلك استخدام العقل وحده في المغيبات أحد أنواع الضلال.
عندنا فلسفات تافهة، وناقصة تعتمد على الحس وحده، فكل شيء غير مادي، وغير حسي، إذاً: هو غير صحيح، هذه الفلسفة الوجودية المادية التي لا تعتمد إلا على الحس، كل شيء مغيب عنا ينكره المنكرون، ويجحده الجاحدون، هذه الفلسفات التافهة، والناقصة, إنما هي فلسفات تسبب الضلال الاعتقادي.
من أسباب ضلال الانحراف النفسي:
1- اتباع الهوى والشهوات:
إذا كان إنسان شهوانياً، يحب الاختلاط، هذا الإنسان حينما اتبع شهوته حدث في نفسه خلل، واختلال في توازنه، هذا الخلل كيف يرمم؟ يُرمم بالاعتقاد الفاسد، يقول لك: هذا الاختلاط لا بد منه من أجل تهذيب المشاعر، وتنقية الأجواء، وتلطيف الأجواء, يأتي بالاختلاط ليجعل منه طريقاً إلى سمو النفس، لأن تعلقه بالاختلاط هو انحراف في الشهوة، هذا الاختلال في نظر المنحرف يرمم بهذه الطريقة، والذي يأكل الربا تراه يعتقد أن قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
يقول لك: الذي حرمه الله عزّ وجل هذه الفوائد المركبة الكبيرة جداً، هذا فقط محرم، إذاً: فقد ضل عقله, كيف ضل عقله في فهم هذه الآية؟ لأنه منحرف في أكل الربا, هذه نقطة خطيرة جداً، والإنسان الذي يعاني من انحراف أخلاقي، أو واقع في معصية و مصر عليها, أو عنده زيغ عن الحق، هذا الانحراف الأخلاقي يدفعه إلى تخيل عقيدة فاسدة.
الشخص الذي يغش يقول لك: يا أخي أنا عندي عيال، والعمل عبادة، ولا أقدر أن أضيع عيالي، فأنا مضطر أعمل ذلك، يستحل الغش ليبرر عمله السيء، والذي يأكل أموال الناس بالباطل، ويستحل ذلك ليغطي انحرافه السلوكي، فأربعة أخماس الضلال الاعتقادي سببه الانحراف الأخلاقي, هؤلاء المنحرفون أخلاقياً يتعلقون بعقائد ضالة وزائغة, لأن هذه العقائد الضالة الزائغة تغطي انحرافهم.
المقيم على معصية، هذا يعتقد بمفهوم ساذج للشفاعة، لماذا؟ حتى يستعيد التوازن الذي اختل من جراء هذه المعصية، فلو أن طالباً أمضى العام الدراسي كله من دون دراسة، فهو يشعر بخلل داخلي في نفسه، فإذا سمع هذا الطالب مِن طالب آخر, أن الأستاذ يمكن أن يعطي الأسئلة في آخر العام مقابل مبلغ ضخم، الفكرة خرافة، تراه يصدقها, ويطمئن لها، ويتمسك بها، لأن هذه الفكرة الخرافية الضالة تعيد له التوازن الذي اختل بعدم الدراسة, قال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾
آية أخرى, قال تعالى:
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾
إن لم يستجب، وإذا أصر على عقيدة ضالة، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم، هذه حقيقة مهمة جداً، أتمنى أن تكون هذه الآية دائماً في أذهانكم، أن الذي تناقشه إذا أصرّ على الضلال، أصر على الزيغ والانحراف، يجب أن تعلم علم اليقين أنه يدافع عن أخطائه، وعن انحرافه، ويدافع عن ضلاله السلوكي بالضلال الاعتقادي.
هؤلاء الذين أباحوا لأنفسهم أن يفعلوا كل شيء، فالعقيدة التي تناسب هذا الانحراف الخطير هي أن ينكروا وجود الله عزّ وجل, وينكروا المسؤولية كلها, لذلك فإن العقيدة تضل، وتنحرف تماماً بنسبة انحراف السلوك، وكلما كانت زاوية الانحراف كبيرة, كلما كانت زاوية انحراف العقيدة كبيرة, فإذا كان الانحراف شاملاً كان الإلحاد شاملاً, قال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
هناك آية دقيقة جداً, ذكرناها في الدرس الماضي, قوله تعالى:
﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴾
هذا الفاجر المنحرف هو الذي ينكر، أو يسارع لإنكار يوم القيامة، وهذه آية ثانية:
﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾
فالتكذيب بالعقيدة الصحيحة, سببها الانحراف الخطير.
2- أمراض القلب ويشمل الحسد والحقد والكبر والنوازع النفسية المتنوعة:
1- الحسد, أحد أسباب الضلال, فأنت حينما تستمع إلى الحقيقة من إنسان تحسده فإنك تردها عليه، وتصر على الباطل حسداً من عند النفس، لرد هذا الذي يقول لك: الحقيقة الصافية، وهذا يؤكد أحياناً كثيرة, أن الحسد يسبب الضلال الاعتقادي, قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ﴾
﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
2- النوازع النفسية الرامية إلى تحقيق مطالبها بالشذوذ، فمثلاً أحد الناس يريد أن يبتغي الغنى السريع بأقرب وقت ممكن, لا يمكن أن يكون بالطرق المشروعة، يلجأ إلى الطرق غير المشروعة كالاحتكار، والاستغلال، والغش، وما شاكل ذلك، فالذي يستبيح الاحتكار، ويستبيح الغش، هو انحراف خطير، أراد به أن يصل إلى هدفه بأقرب وقت، فأعتقد ضلالاً أن بعض الأشياء المحرمة ليست محرمة، فوقع في الضلال أيضاً.
3- الكبر أيضاً, أحد أسباب الانحراف الاعتقادي، كأن يعتقد فكرة حمقاء، أو ساذجة، أو ضالة، أو زائغة، ولا يتراجع، بل يصر عليها بدافع الكبر، وهذا أيضاً أحد الأسباب الذي يسبب الهلاك.
4- وكذلك الأحقاد المتوارثة تسبب بعض الضلال الاعتقادي إذا كان بين المِلل والنِحل.
من أسباب ضلال الضعف النفسي:
1- ضعف الإرادة:
من أسباب ضلال الضعف النفسي, ضعف الإرادة, قال تعالى:
﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ﴾
الإنسان أحياناً تضعف إرادته عن مجابهة الباطل، فيعتقد اعتقادًا باطلاً ابتغاء السلامة، وخوفاً من المضايقات، فهذا الضعف النفسي أدّى به إلى اعتقاد ضلالي، وهذا سبب أخير من أسباب الضلالات, وكما قلت قبل قليل: أخطر ما في حياة المسلم أن يكون معتقداً عقيدة ضالة وأسبابها.